▪الخطبة الأولى:
الحمد لله ، الحمد لله اللطيف بعباده فيما يجري به المقدور ،المدبر لهم بحكمته وعلمه في الميسور والمعسور ، الخبير بأحوال عباده ظاهرةً وباطنة ، يعطي ويمنع ،ويغني ويفقر ،ويدبر مصالح عباده وأرزاقهم وهو العليم الحليم ، وهو الرحيم بهم أرحم بأنفسهم من أنفسهم ، من يتوكل عليه ويعلق قلبه به ويرجوه ؛ فإنه ولي عباده الصالحين المؤمنين ، “ومن يتوكل على الله فهو حسبه”، ومن يتق ربه يرزقه من حيث لا يحتسب ، ومن يستنصره ينصره وهو العزيز الحكيم ، وهو مع أولياءه بنصره وتأييده وهو العزيز الحكيم ، وأشهد ألا إلٰه إلا الله وحده لاشريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله ، الذي قال لصاحبه لما أحاط به المشركون”لا تحزن إن الله معنا” ، فأيده ربه ونصره ،وأعزه ،وأظهر دينه ، ولو كره المشركون ، ولو كره الكافرون ، ولو كره المنافقون صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الذين اتبعوا نبيهم وحكموا فيهم سنته ، فكان لهم من الفوز والنصر المبين بقدر اتباعهم لهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرًا الى يوم الدين .
أما بعد

فيا أيها الناس اتقو ربكم الذي خلقكم ورزقكم وعافاكم وكساكم وآواكم والذي ارشدكم لصلاح دينكم ودنياكم ، ألا وإن التقوى لا تتم إلا بشكر نعم الله، والرضا بما قسم الله ،والقناعة كل القناعة بما قسم الله ؛ فإن القناعة من أجل الطاعات المقربة إلى لعلّام الغيوب ، وإنها كنزٌ لا ينفد ، وذخرٌ لا يفنى ، القناعة هي غنىً بلا مال ، وعزٌ بلا جنود ولا رجال ، ليس الغنى عن كثرة الأموال والأعراض ، ولا بالإكباب على الشهوات المفسدة للقلوب بأنواع الأسقام والأمراض ؛ إنما الغنى غنى النفس بما قسم الله ، وطمئنينتها إلى ذكر الله فمرنوا نفوسكم – رحمكم الله -على القناعة بسلوك طرقها وأسبابها، وعودوها الرضا والسكون وأتوا البيوت من أبوابها ، فانظروا إلى من هو دونكم في العافية والعقل وضيق الأرزاق ، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم لإلا تزدروا نعمة الخلاق ، فالمعافى في بدنه وسمعه وبصره وعقله ، ينظر إلى من ابتلي بشيء منها ، والمبتلى بشيءٍ من ذلك ينظر إلى من هو أعظم منه ابتلاءً، فإنه ما من مصيبة تصيب العبد إلا ويوجد أكبر منها ،،
فالغني يتأمل المعسر الفقير الذي لا يجد من قوته وكسوته وضروريات إلا الشيء اليسير، والمعسر الفقير متى التفت وجد من هو أفقر منه ومن هو عادم للفتيل والقطمير ، والمسلم المبتلى بأنواع الأمراض والأسقام يحمد الله على سلامته من الكفر ومن الموبقات والآثام ، فما من بلوى يبتلى بها المؤمن في بدنه أو حبيبه أو ماله إلا وهو خير له وأولى ؛ إذا اقترنت بالصبر والثناء ، وبالشكر للمولى ومن يستعفف يعفه الله ، ومن يستغني يغنه الله، ومن يتصبر بصيره الله، وليس الغنى كثرة العرض ولكن الغنى غنى القلب ، ولقد أفلح من هدي للإسلام والسنة وكان عيشه كفافًا وقنعه الله بما آتاه ، {أعوذ بالله من الشيطان الرجيم} “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” [ النحل -٩٧].
وفقني الله وإياكم إلى طاعة الرحمن ، والقناعة برزقه وفضله ، وأعاننا واياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ،ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ،أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

▪الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمةً للعالمين ، وأسوة وقدوةً للمتقين الذي قال الله عنه : “لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ” [ التوبة-١٢٨].
إن من علامة توفيق العبد في حياته الدنيا وفي دينه وفي طاعته لربه أن يجعل محمدًا- صلى الله عليه وسلم- قدوةً له ، وأسوةً له ؛ يتأسى باقواله فإنه يهدي إلى الصراط المستقيم ” وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ” [ الشورى – ٥٢].
لا يجد العبد استقامة الحياة ، إلا بأن يكون رسول الله قدوته -صلى الله عليه وسلم- وعلامة توفيق العبد أن يبحث عن أقوال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنها ترشد إلى كل خير وإلى كل هدى ، وحول القناعة وبما قسم الله ،قال -صلى الله عليه وسلم- كما روى الترمذي في جامعه عن رفاعة الجهني -رضي الله عنه- قال: “قام أبو بكر الصديق على المنبر ثم بكى” فقال : “قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الأول على المنبر ثم بكى” فقال: “سلو الله العفو والعافية فإن أحدًا لم يعطى بعد اليقين خيرًا من العافية. حديث عظيم يرشد فيه النبي- صلى الله عليه وسلم- أمته على أن يحرص العبد أن يسأل ربه العافية في دينه ودنياه، فإن هذا أعظم ما يكسب العبد لو فاتته ملاذ الدنيا كلها وكسب العافية في دينه ودنياه فقد كسب خيرًا كثيرًا ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-:”من أصبح آمنًا في سربه ،معافًا في بدنه ، عنده قوت يومه ؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها”
وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- أن يسأل ربه صباحًا ومساءً العافية فقد روى أبو داوود وابن ماجه عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال : ” لم يكن رسول -صلى الله عليه وسلم- يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين بصبح : “اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسالك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي ، اللهم استر عوراتي ، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أُغتال من تحتي”
دعاءٌ عظيم كان يقوله -صلى الله عليه وسلم- صباحًا ومساءً ومن علامة توفيق الله للعبد أن يقول مثل هذا الدعاء ليعافيه رب العالمين في دينه ودنياه ويحفظه فإن هذا هو الكنز الذي لا يفنى، فإن المرء إذا عافاه الله في دينه فقد ربح ربحًا عظيمًا ؛ فإن الإنسان معرض في هذه الدنيا إلى فتن الشبهات وفتن الشبهات ، فمن اعتصم بالله هدي إلى صراط مستقيم وحفظ الله عليه دينه وإيمانه ، وإذا عافى الله العبد في جسده كان ذلك معينًا للعبد على طاعة ربه وقضاء حاجاته .
عباد الله اجعلوا ذكركم دائمًا {لاحول ولاقوة إلا بالله} فإنها كنزٌ من كنوز الجنة وهي سبب لجلب الإنعام ودفع المصائب والكرب ،فهي قوة المسلم يعينه رب العالمين ؛لإنه يتبرأ من حوله وقوته إلى حول الله وقوته يعترف بعجزه ، ويعترف بضعفه ، وأنه مهما أعطي من ذكاء أو أعطي من أموال الدنيا فإنه يبقى ضعيف أمام الله عز وجل فعليه أن يكثر (لاحول ولا قوة الا بالله ) وهذا من علامة توفيق الله للعبد، نسأل الله تعالى أن يوفقني واياكم لكل خير وهدى.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ياذا الجلال والاكرام ، اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ، ونسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك ، ونسألك قلبًا سليما ولسانًا صادقًا ، ونسألك أن تعيننا على شكر نعمتك ، اللهم اغفر لنا وارحمنا واهدنا وعافنا وارزقنا ، اللهم ارحم والدينا كما ربونا صغارًا ، اللهم ارحم والدينا كما ربونا صغارًا ، والحمد لله رب العالمين